فصل: بيع الجزاف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.بيع ما في رؤيته مشقة أو ضرر:

وكذا يجوز بيع المغيبات إذا وصفت أو علمت أوصافها بالعادة والعرف.
وذلك كالاطعمة المحفوظة والادوية المعبأة في القوارير وأنابيب الاكسوجين وصفائح البنزين والغاز ونحو ذلك مما لا يفتتح إلا عند الاستعمال لما يترتب على فتحه من ضرر أو مشقة.
ويدخل في هذا الباب ما غيبت ثمارة في باطن الأرض مثل الجزر واللفت والبطاطس والقلقاس والبصل، وما كان من هذا القبيل.
فإن هذه لا يمكن بيعها بإخراج المبيع دفعة واحدة لما في ذلك من المشقة على أربابها، ولا يمكن بيعها شيئا فشيئا لما في ذلك من الحرج والعسر، وربما أدى ذلك إلى فساد الأموال أو تعطيها.
وإنما تباع عادة بواسطة التعاقد على الحقول الواسعة التي لا يمكن بيع ما فيها من الزروع المغيبة إلا على حالها.
وإذا ظهر أن المبيع يختلف عن أمثاله اختلافا فاحشا يوقع الضرر بأحد المتعاقدين ثبت الخيار، فإن شاء أمضاه وإن شاء فسخه، كما في صورة ما إذا اشترى بيضا فوجده فاسدا فله الخيار في إمساكه أو رده دفعا للضرر عنه.

.بيع الجزاف:

الجزاف: هو الذي لا يعلم قدره على التفصيل.
وهذا النوع من البيع كان متعارفا عليه بين الصحابة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان المتبايعان يعقدان العقد على سلعة مشاهدة لا يعلم مقدارها إلا بالحرز والتخمين من الخبراء وأهل المعرفة الذين يعهد فيهم صحة التقدير، فقلما يخطئون فيه، ولو قدر أن ثمة غررا فإنه يكون يسيرا يتسامح فيه عادة لقلته.
قال ابن عمر رضي الله عنه: كانوا يتبايعون الطعام جزافا بأعلى السوق، فنهاهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه حتى ينقلوه.
فالرسول أقرهم على بيع الجزاف، ونهى عن البيع قبل النقل فقط.
قال ابن قدامة: يجوز بيع الصيرة جزافا، لا نعلم فيه خلافا، إذا جهل البائع والمشتري قدرها.

.6- السادس: أن يكون المبيع مقبوضا:

إن كان قد استفاده بمعاوضة وفي هذا تفصيل نذكره فيما يلي: يجوز بيع الميراث والوصية والوديعة وما لم يكن الملك حاصلا فيه بمعاوضة قبل القبض وبعده. وكذلك يجوز لمن اشترى شيئا أن يبيعه أو يهبه أو يتصرف فيه التصرفات المشروعة بعد قبضه.
أما إذا لم يكن قبضه فإنه يصح له التصرف فيه بكل نوع من أنواع التصرفات المشروعة، ما عدا التصرف بالبيع.
أما صحة التصرف فيما عدا البيع فلان المشتري ملك المبيع بمجرد العقد، ومن حقه أن يتصرف في ملكه كما يشاء.
قال ابن عمر: مضت السنة أن ما أدركته الصفقة حبا مجموعا فهو من مال المشتري. رواه البخاري.
أما التصرف بالبيع قبل القبض فإنه لا يجوز، إذ يحتمل أن يكون هلك عند البائع الأول فيكون بيع غرر، وبيع الغرر غير صحيح سواء أكان عقارا أم منقولا وسواء أكان مقدرا أم جزافا.
لما رواه أحمد والبيهقي وابن حبان بإسناد حسن أن حكيم بن حزام قال: يا رسول الله إني أشتري بيوعا فما يحل لي منها وما يحرم؟ قال: «إذا اشتريت شيئا فلا تبعه حتى تقبضه».
وروى البخاري ومسلم: أن الناس كانوا يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتروا طعاما جزافا أن يبيعوه في مكانه حتى يؤدوه إلى رحالهم.
ويستثنى من هذه القاعدة جواز بيع أحد النقدين بالاخر قبل القبض.
فقد سأل ابن عمر الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن بيع الإبل بالدنانير وأخذ الدراهم بدلا منها فأذن له.

.معنى القبض:

والقبض في العقار يكون بالتخلية بينه وبين من انتقل ملكه إليه على وجه يتمكن معه من الانتفاع به فيما يقصد منه، كزرع الأرض وسكنى المنزل والاستظلال بالشجر أو جني ثماره ونحو ذلك.
والقبض فيما يمكن نقله كالطعام والثياب والحيوان ونحو ذلك يكون على النحو الاتي:
أولا: باستيفاء القدر كيلا أو وزنا إن كان مقدرا.
ثانيا: بنقله من مكانه إلى كان جزافا.
ثالثا: يرجع إلى العرف فيما عدا ذلك.
والدليل على أن القبض في المنقول يكون باستيفاء القدر ما رواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعثمان بن عفان رضي الله عنه: «إذا سميت الكيل فكل».
فهذا دليل على وجوب الاكتيال عند اشتراط التقدير بالكيل.
ومثله الوزن لاشتراكهما في أن كلا منهما معيار لتقدير الاشياء، فوجب أن يكون كل شيء يملك مقدرا يجري القبض فيه باستيفاء قدره سواء أكان طعاما أم كان غير طعام.
ودليل وجوب النقل من مكانه من رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: «كنا نشتري الطعام من الركبان جزافا، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه».
وليس هذا خاصا بالطعام بل يشمل الطعام وغيره كالقطن والكتان وأمثالهما إذا بيعت جزافا، لأنه لا فرق بينهما.
أما ما عدا هذا مما لم يرد فيه نص فيرجع فيه إلى عرف الناس وما جرى عليه التعامل بينهم، وبهذا نكون قد أخذنا بالنص ورجعنا إلى العرف فيما لا نص فيه.

.حكمته:

وحكمة النهي عن بيع السلع قبل قبضها زيادة على ما تقدم: أن البائع إذا باعها ولم يقبضها المشتري فإنها تبقى في ضمانه، فإذا هلكت كانت خسارتها عليه دون المشتري.
فإذا باعها المشتري في هذه الحال وربح فيها كان رابحا لشئ لم يتحمل فيه تبعة الخسارة، وفي هذا يروي أصحاب السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ربح ما لم يضمن.
وأن المشتري الذي باع ما اشتراه قبل قبضه يماثل من دفع مبلغا من المال إلى آخر ليأخذ في نظيره مبلغا أكثر منه، إلا أن هذا أراد أن يحتال على تحقيق قصده بإدخال السلعة بين العقدين، فيكون ذلك أشبه بالربا.
وقد فطن إلى هذا ابن عباس، رضي الله عنهما، وقد سئل عن سبب النهي عن بيع ما لم يقبض، فقال: «ذاك دراهم بدراهم والطعام مرجأ».

.الإشهاد على عقد البيع:

أمر الله بالاشهاد على عقد البيع فقال: {وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد}.
والأمر بالاشهاد للندب والارشاد إلى ما فيه المصلحة والخير.
وليس للوجوب كما ذهب إليه البعض.
قال الجصاص في كتاب أحكام القرآن: ولا خلاف بين فقهاء الأمصار أن الأمر بالكتابة والاشهاد والرهن المذكور جميعه في هذه الآية، ندب وإرشاد إلى ما لنا فيه الحظ والصلاح والاحتياط للدين والدنيا، وأن شيئا منه غير واجب.
وقد نقلت الأمة خلفا عن سلف عقود المداينات والاشرية والبياعات في أمصارهم من غير إشهاد، مع علم فقهائهم بذلك من غير نكير منهم عليهم، ولو كان الاشهاد واجبا لما تركوا النكير على تاركه مع علمهم به.
وف ذلك دليل على أنهم رأوه ندبا، وذلك منقول من عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا.
ولو كانت الصحابة والتابعون تشهد على بياعاتها وأشريتها لورد النقل به متواتر مستفيضا، ولانكرت على فاعله ترك الاشهاد.
فلما لم ينقل عنهم الاشهاد بالنقل المستفيض ولا إظهار النكير على تاركه من العامة، ثبت بذلك أن الكتاب والاشهاد في الديوان والبياعات غير واجبين.اهـ.

.البيع على البيع:

يحرم البيع على البيع لما رواه ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا بيع أحدكم على بيع أخيه» رواه أحمد والنسائي.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يبيع الرجل على بيع أخيه».
وعند أحمد والنسائي وأبي داود والترمذي وحسنه: «أن من باع من رجلين فهو للأول منهما».
وصورته كما قال النووي: - أن يبيع أحد الناس سلعة من السلع بشرط الخيار للمشتري، فيجئ آخر يعرض على هذا أن يفسخ العقد ليبيعه مثل ما اشتراه بثمن أقل.
وصورة الشراء على شراء الاخر أن يكون الخيار للبائع، فيعرض عليه بعض الناس فسخ العقد على أن يشتري منه ما باعه بثمن أعلى.
وهذا الصنيع في حالة البيع أو الشراء، صنيع آثم، منهي عنه.
ولكن لو أقدم عليه بعض الناس وباع أو اشترى ينعقد البيع والشراء عند الشافعية وأبي حنيفة وآخرين من الفقهاء.
ولا ينعقد عند داود بن علي، شيخ أهل الظاهر، وروي عن مالك في ذلك روايتان. اه.
وهذا بخلاف المزايدة في البيع فإنها جائزة، لان العقد لم يستقر بعد، وقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم عرض بعض السلع، وكان يقول: من يزيد.

.من باع من رجلين:

فهو للاول منهما من باع شيئا من رجل ثم باعه من آخر لم يكن للبيع الاخر حكم بل هو باطل لأنه باع غير ما يملك إذ قد صار في ملك المشتري الأول، ولا فرق بين أن يكون البيع الثاني وقع في مدة الخيار أو بعد انقضائها لأن المبيع قد خرج من ملكه بمجرد البيع.
فعن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيما امرأة زوجها وليان فهي للاول منهما.
وأيما رجل باع بيعا من رجلين فهو للاول منهما.

.زيادة الثمن نظير زيادة الأجل:

يجوز البيع بثمن حال كما يجوز بثمن مؤجل، وكما يجوز أن يكون بعضه معجلا وبعضه مؤخرا، متى كان ثمة تراض بين المتبايعين.
وإذا كان الثمن مؤجلا وزاد البائع فيه من أجل التأجيل جاز، لأن للاجل حصة من الثمن.
وإلى هذا ذهب الأحناف والشافعية وزيد بن علي والمؤيد بالله وجمهور الفقهاء، لعموم الادلة القاضية بجوازه.
ورجحه الشوكاني.

.جواز السمسرة:

قال الإمام البخاري: لم ير ابن سيرين وعطاء وإبراهيم والحسن بأجر السمسار بأسا.
وقال ابن عباس: لا بأس بأن يقول: بع هذا الثوب فما زاد على كذا وكذا فهو لك.
وقال ابن سيرين: إذا قال بعه بكذا فما كان من ربح فهو لك أو بيني وبينك فلا بأس به.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم» رواه أحمد وأبو داود والحاكم عن أبي هريرة.
وذكره البخاري تعليقا.

.بيع المكره:

اشترط جمهور الفقهاء أن يكون العاقد مختارا في بيع متاعه، فإذا أكره على بيع ماله بغير حق فإن البيع لا ينعقد لقول الله سبحانه: {إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم}.
والتجارة كل عقد يقصد به الربح مثل عقد البيع وعقد الاجارة وعقد الهبة بشرط العوض، لأن المبتغى في جميع ذلك في عادات الناس تحصيل الاعواض لا غير، وعلى هذا فالتجارة أعم من البيع.
ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنما البيع عن تراض».
وقوله: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه» رواه ابن ماجه ابن حبان والدارقطني والطبراني والبيهقي والحاكم.
وقد اختلف في حسنه وضعفه.
أما إذا أكره على بيع ماله بحق فإن البيع يقع صحيحا.
كما إذا أجبر على بيع الدار لتوسعة الطريق أو المسجد أو المقبرة.
أو أجبر على بيع سلعة ليفي ما عليه من دين أو لنفقة الزوجة أو الابوين.
ففي هذه الحالات وأمثالها يصح البيع إقامة لرضا الشرع مقام رضاه.
قال عبد الرحمن بن كعب: كان معاذ بن جبل شابا سخيا.
وكان لا يمسك شيئا، فلم يزل يدان حتى أغرق ماله كله في الدين، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه ليكلم غرماءه، فلو تركوا لاحد لتركوا لمعاذ لاجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ماله، حتى قام معاذ بغير شئ.

.بيع المضطر:

قد يضطر الإنسان لبيع ما في يده لدين عليه، أو لضرورة من الضرورات المعاشية، فيبيع ما يملكه بأقل من قيمته من أجل الضرورة، فيكون البيع على هذا النحو جائزا مع الكراهة ولا يفسخ.
والذي يشرع في مثل هذه الحال أن يعان المضطر ويقرض حتى يتحرر من الضيق الذي ألم به.
وقد روي في ذلك حديث رجل مجهول.
فعند أبي داود عن شيخ من بني تميم قال: خطبنا علي بن أبي طالب فقال: «سيأتي على الناس زمان عضوض، يعض الموسر على ما في يديه ولم يؤمر بذلك».
قال الله تعالى: {ولا تنسوا الفضل بينكم}، ويبايع المضطرون، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر، وبيع الغرر، وبيع الثمرة قبل أن تدرك.

.بيع التلجئة:

إذا خاف إنسان اعتداء ظالم على ماله فتظاهر ببيعه فرارا من هذا الظالم وعقد عقد البيع مستوفيا شروطه وأركانه فإن هذا العقد لا يصح، لأن العاقدين لم يقصدوا البيع فهما كالهازلين.
وقيل: هو عقد صحيح، لأنه استوفى أركانه وشروطه.
قال ابن قدامة: بيع التلجئة باطل.
وقال أبو حنيفة والشافعي: هو صحيح لأن البيع تم بأركانه وشروطه خاليا من مفسد فصح به، كما لو اتفقا على شرط فاسد ثم عقد البيع بلا شرط، ولنا أنهما ما قصدا البيع فلم يصح كالهازلين اه.